غزوة تبوك

غزوة تبوك أو غزوة العسرة هي الغزوة التي خرج الرسول محمد لها في رجب من عام 9 هـ بعد العودة من حصار الطائف بنحو ستة أشهر.[1] تُعد غزوة تبوك هي آخر الغزوات التي خاضها الرسول. بدأت تداعيات تلك الغزوة عندما قرر الرومان إنهاء القوة الإسلامية التي أخذت تهدد الكيان الروماني المسيطر على المنطقة؛ فخرجت جيوش الروم العرمرمية بقوى رومانية وعربية تقدر بأربعين ألف مقاتل قابلها ثلاثون ألفًا من الجيش الإسلامي. انتهت المعركة بلا صدام أو قتال لأن الجيش الروماني تشتت وتبدد في البلاد خوفًا من المواجهة؛ مما رسم تغيرات عسكرية في المنطقة، جعلت حلفاء الروم يتخلون عنها ويحالفون العرب كقوة أولى في المنطقة. لذلك، حققت هذه الغزوة الغرض المرجو منها بالرغم من عدم الاشتباك الحربي مع الروم الذين آثروا الفرار شمالًا فحققوا انتصارًا للمسلمين دون قتال، حيث أخلوا مواقعهم للدولة الإسلامية، وترتب على ذلك خضوع النصرانية التي كانت تمت بصلة الولاء لدولة الروم مثل إمارة دومة الجندل، وإمارة إيلة (مدينة العقبة حاليًا على خليج العقبة الآسيوي)، وكتب الرسول محمد بينه وبينهم كتابًا يحدد ما لهم وما عليهم،[2] وقد عاتب القرآن من تخلف عن تلك الغزوة عتابًا شديدًا، وتميزت غزوة تبوك عن سائر الغزوات بأن الله حث على الخروج فيها – وعاتب وعاقب من تخلف عنها – والآيات الكريمة جاءت بذلك، في قوله تعالى: Ra bracket.png انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ Aya-41.png La bracket.png

التسميه

اشتهرت هذه الغزوة باسم غزوة تبوك، نسبة إلى عين تبوك، التي انتهى إليها الجيش الإسلامي، وأصل هذه التسمية جاءت في «صحيح مسلم»، فقد روى بسنده إلى معاذ بن جبل أن النبي محمدًا قال: «إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا، إِنْ شَاءَ اللهُ، عَيْنَ تَبُوكَ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يُضْحِيَ النَّهَارُ، فَمَنْ جَاءَهَا مِنْكُمْ فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ».[4]

لقد سميت أيضًا بـ«غزوة العُسْرة» لشدة ما لاقى المسلمون فيها من الضنك، فقد كان الجو شديد الحرارة، والمسافة بعيدة، والسفر شاقًّا لقلة المؤونة وقلة الدواب التي تحمل المجاهدين إلى أرض المعركة، وقلة الماء في هذا السفر الطويل والحر الشديد، وكذلك قلة المال الذي يجهز به الجيش وينفق عليه.[5] وقد ورد اسم العسرة في القرآن الكريم، جاء في سورة التوبة: Ra bracket.png لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ Aya-117.png La bracket.png(2).[6]

وللغزوة أيضًا اسم ثالث هو: الفاضحة، ذكره الزرقاني في كتابه «شرح المواهب اللدنية»، وسميت بهذا الاسم لأن هذه الغزوة كشفت عن حقيقة المنافقين، وهتكت أستارهم، وفضحت أساليبهم العدائية الماكرة، وأحقادهم الدفينة، وجرائمهم البشعة، بحق رسول الله محمد والمسلمين.[7]

وأما موقع تبوك فيقع شمال الحجاز، يبعد عن المدينة 778 ميلًا حسب الطريق المعبدة في الوقت الحاضر، وكانت من ديار قضاعة الخاضعة لسلطان الروم آنذاك.[8]

سبب الغزوة[عدل]

ذكر ابن كثير (700 هـ- 774 هـ) في «البداية والنهاية»: أن الله سبحانه لما نزلت آية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾(3)، قالت قريش، كما ورد عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك وغيرهم، وكان ذلك بعد فتح مكة: “لينقطعن عنا المتاجر والأسواق أيام الحج، وليذهبن ما كنا نصيب منها، فعوضهم الله عن ذلك، بالأمر بقتال أهل الكتاب، حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ويرى ابن كثير أن سبب الغزوة هو استجابة طبيعية لفريضة الجهاد؛ ولذلك عزم الرسول محمد قتال الروم؛ لأنهم أقرب الناس إليه، وأولى الناس بالدعوة إلى الإسلام لقربهم إليه وإلى أهله، جاء في سورة التوبة: Ra bracket.png يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ Aya-123.png La bracket.png(4).[9]

وذكر ابن كثير أن رسول الله عزم على قتال أهل الكتاب؛ لأن هذه الآية هي أول الأمر بقتالهم بعد ما أذل الله المشركين، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، واستقامت جزيرة العرب. وقد أمر الله ورسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى، وكان ذلك في سنة تسع، ولهذا تجهز رسول الله محمد لقتال الروم ودعا الناس إلى ذلك، وأظهره لهم وبعث إلى أحياء العرب فندبهم، فأوعبوا معه، واجتمع من المقاتلة نحو من ثلاثين ألفًا، وتخلف بعض الناس من أهل المدينة ومن حولها من المنافقين وغيرهم، وكان ذلك عام جدب، ووقت قيظ وحر، وخرج النبي يريد الشام لقتال الروم فبلغ تبوك، فنزل بها، وأقام بها قريبا من عشرين يومًا.[10]

وأما عن أسباب الغزوة، فأحدها هو تحرك قوات رومية وعربية موالية لها نحو المسلمين،[11][12] فقد قال نور الدين الحلبي: «بلغ رسول الله ﷺ أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة الشام، وأنهم قدموا مقدماتهم إلى البلقاء المحل المعروف.أي وذكر بعضهم أن سبب ذلك أن متنصرة العرب كتبت إلى هرقل: إن هذا الرجل الذي قد خرج يدعي النبوّة هلك وأصابت أصحابه سنون أهلكت أموالهم، فبعث رجلا من عظمائهم وجهز معه أربعين ألفا، أي ولم يكن لذلك حقيقة، أي وإنما ذلك شيء قيل لمن يبلغ ذلك للمسلمين ليرجف به وكان ذلك في عسرة في الناس وجدب في البلاد، أي وشدة من نحو الحر، وحين طابت الثمار والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم».[13]

من سورة الدخان

استعداد المسلمين للمعركة

جزء من سلسلة مقالات حول
الإسلام
Allah-eser-green New version.png
˂العقيدة
˂أركان الإسلام
˂مصادر التشريع
˂شخصيات محورية
˂طوائف إسلامية
˂تاريخ إسلامي
˂أعياد ومناسبات
˂الإسلام حسب البلد
˂انظر أيضاً
شعار بوابة بوابة الإسلام
  • ع
  • ن
  • ت

وصلت أخبار الروم إلى الرسول في وقت صيف اجدبت في الأرض، واشتد فيه الحر، وقل فيه الماء، مما جعل الموقف مُحرج بالنسبة للمسلمين لكن النبي محمد لم يكن يملك حلاً سوى مواجهة الروم رغم كل التحديات التي يعيشها المسلمون، وبطبيعة الحال أتى القرار الحاسم الذي لا رجعة فيه من النبي بالخروج والزحف لمواجهة حشود الروم، فبدأ النبي محمد بإبلاغ قبائل العرب المجاورة وأهل مكة لاستنفارهم على الحرب وحثهم على الصدقات والدعم المادي للجيش الإسلامي، وفي هذا الوقت نزلت آية من سورة التوبة توصي المسلمين بالقتال والصمود، فكانت ردة فعل المسلمين تجاه قرار الرسول سريعة وواضحة فقد تدفقت القبائل والأفراد والمقاتلون للمدينة، وأتى القريب والبعيد استعداداً لقتال الروم. أما من ناحية الدعم المادي، فقد حث الرسول الصحابة على الإنفاق في هذه الغزوة لبعدها، وكثرة المشاركين فيها، ووعد المنفقين بالأجر العظيم من الله، فأنفق كل حسب مقدرته.[14]

كان عثمان بن عفان صاحب القِدْح المُعَلَّى في الإنفاق في هذه الغزوة،[14] فقد روى الترمذي في «سُننهِ» عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَبَّابٍ، قَالَ: «شَهِدْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ يَحُثُّ عَلَى جَيْشِ العُسْرَةِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلَيَّ مِائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلاَسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ حَضَّ عَلَى الجَيْشِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلَيَّ مِائَتَا بَعِيرٍ بِأَحْلاَسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ حَضَّ عَلَى الجَيْشِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلَيَّ ثَلاَثُ مِائَةِ بَعِيرٍ بِأَحْلاَسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَنْزِلُ عَنِ الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ، مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ»،[15] كما روى أحمد بن حنبل في «مُسندهِ»، عن عبد الرحمن بن سمرة قال: «جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي ثَوْبِهِ، حِينَ جَهَّزَ النَّبِيُّ ﷺ جَيْشَ الْعُسْرَةِ، قَالَ: فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ ﷺ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ، يُقَلِّبُهَا بِيَدِهِ، وَيَقُولُ: “مَا ضَرَّ ابْنُ عَفَّانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ” يُرَدِّدُهَا مِرَارًا».[16]

عثمان بن عفان أكثر المجاهدين بالمال في الغزوة

وأمّا عمر بن الخطاب فقد تصدق بنصف ماله وظن أنه سيسبق أبا بكر بذلك، حيث روى عمر عن ذلك حيث قال: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟»، قُلْتُ: مِثْلَهُ، قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟» قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا».[17]

وروى أن عبد الرحمن بن عوف أنفق ألفي درهم وهي نصف أمواله لتجهيز جيش العسرة.[14] وكانت لبعض الصحابة نفقات عظيمة، كالعباس بن عبد المطلب، وطلحة بن عبيد الله، ومحمد بن مسلمة، وعاصم بن عدي.[18]

قدَّم فقراء المسلمين جهدهم من النفقة على استحياء؛ ولذلك تعرَّضوا للسخرية من المنافقين، فقد روي أنّ أَبُو عَقِيلٍ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ صَاعٍ، وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْهُ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: «إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا، وَمَا فَعَلَ هَذَا الْآخَرُ إِلَّا رِيَاءً، إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا، وَمَا فَعَلَ هَذَا الْآخَرُ إِلَّا رِيَاءً»، فَنَزَلَتْ آية: Ra bracket.png الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ Aya-79.png La bracket.png(5).[19]

حزن الفقراء من المؤمنين؛ وذلك لأنهم لا يملكون نفقة الخروج إلى الجهاد، حيث يُذكر أن بعض رجال المسلمين جاءوا للنبي مُحمد، وهُم البكّاؤون، وكانوا سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ، مِنْهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ: سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَعُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو ليلى: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْحُمَامِ بْنُ الْجَمُوحِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ هُوَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو الْمُزَنِيُّ وَهَرْمِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ الْفَزَارِيُّ، فَاسْتَحْمَلُوا النبي مُحمد، وكانوا أهل حاجة فقال: «لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ».

وروي أيضًا «أَنَّ يَامِينَ بْنَ عَمْرِو بْنِ كَعْبٍ لَقِيَ أَبَا لَيْلَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ وعبد الله بن مغفل وَهُمَا يَبْكِيَانِ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكُمَا فَقَالَا جِئْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ لِيَحْمِلَنَا، فَلَمْ نَجِدْ عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَأَعْطَاهُمَا نَاضِحًا لَهُ فَارْتَحَلَاهُ وَزَوَّدَهُمَا شَيْئًا مِنْ لَبَنٍ فَخَرَجَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ».

كما يُذكر أن الصحابي عُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ صلى من الليل وبكى، وَقَالَ: «اللهُمَّ إِنَّكَ قَدْ أَمَرْتَ بِالْجِهَادِ، وَرَغَّبْتَ فِيهِ، ثُمَّ لَمْ تَجْعَلْ عِنْدِي مَا أَتَقَوَّى بِهِ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَلَمْ تَجْعَلْ فِي يَدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَا يَحْمِلُنِي عليه، وَإِنِّي أَتَصَدَّقُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بِكُلِّ مَظْلِمَةٍ أَصَابَنِي بِهَا فِي مَالٍ أَوْ جَسَدٍ أَوْ عِرْضٍ ثُمَّ أَصْبَحَ مَعَ النَّاسِ»، فقَالَ الرسول مُحمد: «أَيْنَ الْمُتَصَدِّقُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ؟»، فَلَمْ يَقُمْ له أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: «أَيْنَ الْمُتَصَدِّقُ؟» فَلْيَقُمْ، فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله: «أَبْشِرْ فو الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ كُتِبْتَ فِي الزَّكَاةِ الْمُقْبِلَةِ».[20]

وروي أن واثلة بن الأسقع قال: «كان رسول الله ﷺ في غزوة تبوك فخرجت إلى أهلي فأقبلت وقد خرج أول صحابة رسول الله ﷺ فطفقت في المدينة أنادي ألا من يحمل رجلا له سهمه فنادى شيخ من الأنصار قال لنا سهمه على أن نحمله عقبة وطعامه معنا قلت نعم قال فسر على بركة الله كلمة تعالى.png قال فخرجت مع خير صاحب حتى أفاء الله علينا فأصابني قلائص فسقتهن حتى أتيته فخرج فقعد على حقيبة من حقائب إبله ثم قال سقهن مدبرات ثم قال سقهن مقبلات فقال ما أرى قلائصك إلا كراما قال إنما هي غنيمتك التي شرطت لك قال خذ قلائصك يا ابن أخي فغير سهمك أردنا».[21]

وقد عذر الله الذين تخلفوا عن الخروج للجهاد مع النبي مُحمد، في غزوة تبوك بسبب فقرهم أو ضعفهم ومرضهم، حيث نزل فيهم: Ra bracket.png لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ Aya-91.png وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ Aya-92.png La bracket.png(6).[22]

خروج المسلمين

جزء من سلسلة مقالات حول
علي بن أبي طالب
Ali
˂وجهات النظر
˂الحياة
˂الأولاد
˂الإرث
˂مقالات ذات صلة
شعار بوابة بوابة الإسلام
  • ع
  • ن
  • ت

خرج المسلمون من المدينة بعدد كبير قوامه ثلاثين ألف لم يتخلف منهم إلا المنافقون، والثلاثة المشهورين، واستخلف الرسول مُحمد على المدينة ابن عمه الإمامُ علي بن أبي طالب، فَقَالَ له علي: «أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؟»، فقال النبي محمد: «أَلاَ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؛ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي»، هكذا ورد في «الصحيحين».[23][24][25] وتقول رواياتٍ أخرى إنه استخلف عليها سباع بن عرفطة، فقد ذكر ابن الأثير في «الكامل في التاريخ» أنّ رَسُولُ اللَّهِ اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ، وَعَلَى أَهْلِهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ.[26] وقيل إنه استخلف عليها ابن أم مكتوم، وقيل محمد بن مسلمة الأنصاري.[23][27]

واستطاع الرسول محمد أن يحشد ثلاثين ألف مقاتل من المهاجرين والأنصار وأهل مكة والقبائل العربية الأخرى، ولقد أعلن النبي محمد -على غير عادته في غزواته- هدفه ووجهته في القتال، إذ أعلن صراحة أنه يريد قتال بني الأصفر (الروم)، علما بأن هديه في معظم غزواته أن يوري فيها، ولا يصرح بهدفه ووجهته وقصده، حفاظًا على سرية الحركة ومباغتة العدو.[28] وكانت الأسباب وراء ذلك: بعد المسافة، فقد كان رسول الله يدرك أن السير إلى بلاد الروم يعد أمرًا صعبًا؛ لأن التحرك سيتم في منطقة صحراوية ممتدة قليلة الماء والنبات، ولا بد – حينئذ- من إكمال المؤنة ووسائل النقل للمجاهدين قبل بدء الحركة؛ حتى لا يؤدي نقص هذه الأمور إلى الإخفاق في تحقيق الهدف المنشود؛ كثرة عدد الروم، بالإضافة إلى أن مواجهتهم تتطلب إعدادًا خاصًّا، فهم عدو يختلف في طبيعته عن الأعداء الذين واجههم النبي من قبل، فأسلحتهم كثيرة، ودرايتهم بالحرب كبيرة، وقدرتهم القتالية فائقة.[29]

إثباط للعزيمة[عدل]

الإمبراطرية البيزنطية عام 500

عندما أعلن النبي محمد ودعا إلى الإنفاق في تجهيز هذه الغزوة، أخذ المنافقون في تثبيط همم الناس قائلين لهم: «لا تنفروا في الحرّ»، فأنزل الله تعالى فيهم: Ra bracket.png فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ Aya-81.png فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ Aya-82.png La bracket.png(7).[30]

وروي أن رسول الله قال وهو في جهازه لتبوك، للجد بن قيس: «هَلْ لَكَ يَا جَدُّ الْعَامَ فِي جِلَادِ بَنِي الْأَصْفَرِ؟»، فقال: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أو تأذن لي ولا تفتني، فو الله لَقَدْ عَرَفَ قَوْمِي مَا رَجُلٌ أَشَدُّ عَجَبًا بِالنِّسَاءِ مِنِّي، وَإِنِّي أَخْشَى إِنْ رَأَيْتُ نِسَاءَ بني الأصفر أن لَا أَصْبِرُ عَنْهُنَّ»، فأعرض عنه رسول الله، وقال: «قَدْ أَذِنْتُ لَكَ»، فنزلت آية: Ra bracket.png وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ Aya-49.png La bracket.png(8).[31]

وذهب بعض المنافقين يعتذرون إلى النبي ليس لهم عذر، وإنما هو النفاق والشك وكراهية الجهاد، فأذن لهم بناء على ظاهر حالهم، فأنزل الله: Ra bracket.png عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ Aya-43.png La bracket.png(9).[32] وروي أنه بلغ رسول الله أن ناسًا منهم يجتمعون في بيت سويلم اليهودي يثبطون الناس عن رسول الله، فأرسل إليهم من أحرق عليهم بيت سويلم.[32][33] في المقابل، هُناك من يشكك وينكر رواية حرق بيت سويلم، فقد ذكر علوي السقاف في كتابه «تخريج أحاديث وآثار كتاب في ظلال القرآن» أن الرواية ضعيفة وأنّ ابن هشام رواها بإسناد فيه مجهولان.[34]

تحدث القُرآن الكريم عن موقف المنافقين، جاء في القرآن: Ra bracket.png لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ Aya-42.png La bracket.png(10)، وذكر ابن كثير: «يَقُولُ كلمة تعالى.png مُوَبِّخًا لِلَّذِينِ تَخَلَّفُوا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي غزوة تبوك وقعدوا بَعْدَ مَا اسْتَأْذَنُوهُ فِي ذَلِكَ مُظْهِرِينَ أَنَّهُمْ ذَوُو أَعْذَارٍ وَلَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ فَقَالَ: لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:غَنِيمَةٌ قَرِيبَةٌ وَسَفَراً قاصِداً أَيْ قَرِيبًا أَيْضًا لَاتَّبَعُوكَ أَيْ لَكَانُوا جَاءُوا مَعَكَ لِذَلِكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ أَي الْمَسَافَةُ إِلَى الشَّامِ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ أَيْ لَكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ أي لو لم يكن لَنَا أَعْذَارٌ لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ قَالَ اللَّهُ كلمة تعالى.png: يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ».[35]

وفقًا لما جاء في كتاب «كتاب نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم» فإنّ معركة تبوك كانت منذ بداية التحضير لها فرصة لتمييز المؤمنين عن المنافقين، وسد الفجوة بين الطرفين، ولم يكن هناك مجال لإخفاء المنافقين أو مدحهم. كلام الله تعالى وما أعلنه الرسول وبهذه الطريقة أنزل القرآن الكريم. على العكس من ذلك، فإن فضح نفاق المنافقين ووقف حدودهم أصبح واجبًا شرعيًا.[36]

قصة أبي ذر الغفاري

قبر الصحابي أبي ذر الغفاري بقرية الربذة

تخلف أبو ذر الغفاري، وأبطأ به بعيره. فقال رسول الله لفلان: «دَعُوهُ، فَإِنْ يَكُ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيَلْحَقُهُ اللَّهُ بِكَمْ، وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمْ اللَّهُ مِنْهُ». وتلوَّم أبو ذر على بعيره، فلما أبطأ عليه، أخذ متاعه فحمله على ظهره، ثم خرج يتبع أثر رسول الله ماشيًا، ونزل رسول الله في بعض منازله، فنظر ناظر من المسلمين فقال: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الطَّرِيقِ وَحْدَهُ»، فقال رسول الله: «كُنْ أَبَا ذَرٍّ». فلما تأمله القوم قالوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ وَاَللَّهِ أَبُو ذَرٍّ»، فقال رسول الله: «رَحِمَ اللَّهُ أَبَا ذَرٍّ، يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ».[37]

ومر الزمان، ونفي أبو ذر إلى الربذة، وتوفي فيها في ذي الحجة سنة 32 هـ،[38][39][40][41] وكان أبو ذر لما حضرته الوفاة، قد أوصى امرأته وغلامه، فقال: «إذا مت فاغسلاني وكفناني، وضعاني على الطريق، فأول ركب يمرون بكم فقولا: هذا أبو ذر». فلما مات فعلا به ذلك، فإذا ركب من أهل الكوفة فيهم عبد الله بن مسعود، فسأل: «ما هذا؟»، قيل جنازة أبي ذر، فبكى ابن مسعود، وتذكر قول النبي محمد: «يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده».[42] فصلى عليه،[38][39][41] وألحده بنفسه.[37][40]

الوصول لحجر ثمودن عليهم، فلما بلغ ذلك الرسول محمد، نادى في الناس: «الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ»، كان النبي مُمْسِكٌ بَعِيرَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: «مَا تَدْخُلُونَ عَلَى قَوْمٍ غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ؟»، فناداه رجل منهم: نعجب منهم يا رسول الله، قال: «أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ؟ رَجُلٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ يُنْبِئُكُمْ بِمَا كَانَ قَبْلَكُمْ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ، فَاسْتَقِيمُوا وَسَدِّدُوا، فَإِنَّ اللهَ لَا يَعْبَأُ بِعَذَابِكُمْ شَيْئًا، وَسَيَأْتِي قَوْمٌ لَا يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِشَيْءٍ».[43] لذلك فإن النبي أراد من أصحابه أن ينظروا إلى ديار ثمود ويذكروا غضب الله على الذين كذبوا رسوله.[44]

كما يُذكر أنّ النبي لما مر بالحجر قال لأصحابه: «لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ حَذَرًا، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ»، ثُمَّ زَجَرَ فَأَسْرَعَ حَتَّى خَلَّفَهَا.[45][46]

الأخذ بالمشورة

مشورة أبي بكر الصديق في الدعاءى قَالَتِ السَّمَاءُ فَأَظَلَّتْ ثُمَّ سَكَبَتْ فَمَلَؤُوا مَا مَعَهُمْ، ثُمَّ ذَهَبْنَا نَنْظُرُ فَلَمْ نَجِدْهَا جَازَتِ الْعَسْكَرَ».[47]

مشورة عمر بن الخطاب تبوك، فاستأذنوا النبي في نحر إبلهم حتى يسدوا جوعتهم، فلما أذن لهم النبي في ذلك جاءه عمر فأبدى مشورته في هذه المسألة، وهي أن الجند إن فعلوا ذلك نفدت رواحلهم وهم أحوج ما يكونون إليها في هذا الطريق الطويل، ثم ذكر حلا لهذه المعضلة وهو: جمع أزواد القوم ثم الدعاء لهم بالبركة فيها، فعمل بهذه المشورة حتى صدر القوم عن بقية من هذا الطعام بعد أن ملأوا أوعيتهم منه وأكلوا حتى شبعوا.[48][49]

تخطيط لاسم عمر بن الخطاب

عندما وصل رسول الله إلى منطقة تبوك وجد أن الروم فروا خوفًا من جيش المسلمين، فاستشار أصحابه في اجتياز حدود الشام، فأشار عليه عمر بن الخطاب بأن يرجع بالجيش إلى المدينة وعلل رأيه بقوله: إن للروم جموعًا كثيرة وليس بها أحد من أهل الإسلام، ولقد كانت مشورة مباركة؛ فإن القتال داخل بلاد الرومان يعد أمرًا صعبًا، إذ إنه يتطلب تكتيكًا خاصًا لأن الحرب في الصحراء تختلف في طبيعتها عن الحرب في المدن، بالإضافة إلى أن عدد الرومان في الشام يقرب من مائتين وخمسين ألفـًا، ولا شك في أن تجمع هذا العدد الكبير في تحصنه داخل المدن يعرض جيش المسلمين للخطر.[49]

موقف المنافقين[عدل]

الاستهزاء بالدين[عدل]

روي أن رجلًا قال في إحدى المجالس: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء، فقال له رجل في المسجد: كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله. فلما بلغ ذلك النبي مُحمد ونزل قرآن، قال الصحابي عبد الله بن عمر: «وَأَنَا رَأَيْتُهُ مُتَعَلِّقًا بحَقَب نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَنكُبُه الْحِجَارَةُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: Ra bracket.png وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ Aya-65.png La bracket.png(11)».[50][51]

محاولة اغتيال النبي محمد[ؤلاء المنافقين قول الله تعالى: Ra bracket.png يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ Aya-74.png La bracket.png(12) وقد ذكر ابن كثير أن الضحاك قال بأنّ نفرًا من المنافقين هموا بالفتك بالرسول محمدًا وهو في غزوة تبوك، في بعض تلك الليالي في حال السير، وكانوا بضعة عشر رجلًا، نزلت فيهم هذه الآية،[52] بينما نقل الواحدي عن الضحاك أنّ المنافقين خرجوا إلى تبوك مع الرسول محمد، وكان المنافقون إذا خلا بعضهم ببعض سبوا النبي وأصحابه وطعنوا في دينهم، فنقل حذيفة ما قالوا إلى النبي، فقال لهم النبي: «يَا أَهْلَ النِّفَاقِ مَا هَذَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟»، فحلفوا أنهم لم يقولوا شيئًا، فأنزل الله هذه الآية إكذابًا لهم.[53]

مسجد ضرارك قبل أن يدخل المدينة جاءه جماعة من المنافقين وسألوه أن يأتي مسجدهم بقباء ليصلي فيه وهو مسجد الضرار الذي بنوه مضاهاة لمسجد قباء لإضرار المسلمين وتفريق كلمتهم وجماعتهم وكان المنافقون يجتمعون فيه ويعيبون النبي محمد ويستهزئون، فدعا رسول الله بقميصه ليلبسه ويأتيهم فأنزل الله: : Ra bracket.png وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ Aya-107.png لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ Aya-108.png La bracket.png(13).[54] كما يُذكر أن مسجد ضرار بني لأبي عمر الراهب، الذي تنصر في الجاهلية، وقد كان المشركون يعظمونه، فلما جاء الإسلام حصل له من الحسد ما أوجب مخالفته للرسول محمد فقام طائفة من المنافقين يبنون هذا المسجد، وقصدوا أن يبنوه لأبي عامر هذا.[55][56] وقد ذكر ابن هشام في سيرته أن النبي أمر عمار بن ياسر، ومالك بن الدخشم مع بعض أصحابه وقال لهم: «انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وحرقوه»، ففعلوا، وعن جابر بن عبد الله قال: «رأيت الدخان من مسجد الضرار حين انهار».[57]

وصول الجيش إلى تبوك  وخطب فيهم قائلًا:[58][59]

   

غزوة تبوك

أَيّهَا النّاسُ، أَمّا بَعْدُ، فَإِنّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللّهِ، وَأَوْثَقَ الْعُرَى كَلِمَةُ التّقْوَى، وَخَيْرَ الْمِلَلِ مِلّةُ إبْرَاهِيمَ عليه السلام، وَخَيْرَ السّنَنِ سُنَنُ مُحَمّدٍ، وَأَشْرَفَ الْحَدِيثِ ذِكْرُ اللّهِ، وَأَحْسَنَ الْقَصَصِ هَذَا الْقُرْآنُ، وَخَيْرَ الْأُمُورِ عَوَاقِبُهَا، وَشَرّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَأَحْسَنَ الْهُدَى هُدَى الْأَنْبِيَاءِ، وَأَشْرَفَ الْقَتْلِ قَتْلُ الشّهَدَاءِ، وَأَعْمَى الضّلَالَةِ الضّلَالَةُ بَعْدَ الْهُدَى، وَخَيْرَ الْأَعْمَالِ مَا نَفَعَ، وَخَيْرَ الْهُدَى مَا اُتّبِعَ، وَشَرّ الْعَمَى عَمَى الْقَلْبِ، وَالْيَدَ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ السّفْلَى، وَمَا قَلّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمّا كَثُرَ وَأَلْهَى، وَشَرّ الْأُمُورِ الْمَعْذِرَةُ حِينَ يَحْضُرَ الْمَوْتُ، وَشَرّ النّدَامَةِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَمِنْ النّاسِ مَنْ لَا يَأْتِي الْجُمُعَةَ إلّا نَذرًا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَذْكُرُ اللّهَ إلّا هُجْرًا، وَمِنْ أَعْظَمِ الْخَطَايَا اللّسَانُ الْكَذُوبُ، وَخَيْرَ الْغِنَى غِنَى النّفْسِ، وَخَيْرَ الزّادِ التّقْوَى، وَرَأْسَ الْحُكْمِ مَخَافَةُ اللّهِ، وَخَيْرَ مَا أُلْقِيَ فِي الْقَلْبِ الْيَقِينُ وَالِارْتِيَابَ مِنْ الْكُفْرِ. وَالنّيَاحَةَ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيّةِ، وَالْغُلُولَ مِنْ جَمْرِ جَهَنّمَ، وَالسّكْرَ كِنّ مِنْ النّارِ، وَالشّعْرَ مِنْ إبْلِيسَ، وَالْخَمْرَ جِمَاعُ الْإِثْمِ، وَالنّسَاءَ حِبَالَةُ الشّيْطَانِ، وَالشّبَابَ شُعْبَةٌ مِنْ الْجُنُونِ، وَشَرّ الْمَكَاسِبِ كَسْبُ الرّبَا، وَشَرّ الْمَأْكَلِ مَالُ الْيَتِيمِ. وَالسّعِيدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، وَالشّقِيّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمّهِ، وَإِنّمَا يَصِيرُ أَحَدُكُمْ إلَى مَوْضِعِ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ وَالْأَمْرَ إلَى آخِرِهِ، وَمِلَاكَ الْعَمَلِ خَوَاتِمُهُ، وَالرّبَا رِبَا الْكَذِبِ. وَكُلّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، وَسِبَابَ الْمُؤْمِنِ فُسُوقٌ، وَقَتْلَ الْمُؤْمِنِ كُفْرٌ، وَأَكْلَ لَحْمِهِ مِنْ مَعْصِيَةِ اللّهِ، وَحُرْمَةَ مَالِهِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ. وَمَنْ يَتَأَلّ عَلَى اللّهِ يُكَذّبْهُ، وَمَنْ يَعْفُ يَعْفُ اللّهُ عَنْهُ، وَمَنْ يكظم الغيظ أْجُرْهُ اللّهُ، وَمَنْ يَصْبِرْ عَلَى الرّذيّةِ يُعَوّضْهُ اللّهُ، وَمَنْ يَتّبِعْ السّمْعَةَ يُسَمّعْ اللّهُ بِهِ، وَمَنْ يَصْبِرْ يُضَاعِفْ اللّهُ لَهُ، وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ يُعَذّبْهُ اللّهُ. اللّهُمّ اغْفِرْ لِي وَلِأُمّتِي، اللّهُمّ اغْفِرْ لِي وَلِأُمّتِي، أَسْتَغْفِرُ اللّهَ لِي وَلَكُمْ.
   

غزوة تبوك

وقد نقلها ابن كثير في البداية والنهاية عن البيهقي، وقال: «وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَفِيهِ نَكَارَةٌ وفي اسناده ضعف والله أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ».[60]

تفرق جيش الروم وهروبهم[عدل]

حققت هذه الغزوة الغرض المرجو منها بالرغم من عدم الاشتباك الحربي مع الروم الذين آثروا الفرار شمالًا فحققوا انتصارًا للمسلمين دون قتال، حيث أخلوا مواقعهم للدولة الإسلامية، وترتب على ذلك خضوع النصرانية التي كانت تمت بصلة الولاء لدولة الروم مثل إمارة دومة الجندل، وإمارة إيلة (مدينة العقبة حاليًا على خليج العقبة)، وكتب رسول الله بينه وبينهم كتابا يحدد ما لهم وما عليهم.[2]

معجزات[عدل]

ظهرت في غزوة تبوك معجزات، منها:

سحابة الماء[عدل]

لما جاز النبي حجر ثمود أصبح الناس ولا ماء لهم فشكوا ذلك إلى رسول الله فدعى رسول الله ربه واستسقى لمن معه من المسلمين فأرسل الله سحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس واحتملوا حاجتهم من الماء، فقد روى ابن إسحاق: «حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رجال من بني عبد الأشهل قَالَ: قُلْتُ لِمَحْمُودِ: هَلْ كَانَ النَّاسُ يَعْرِفُونَ النِّفَاقَ فِيهِمْ؟ قَالَ: نعم وللَّه، إنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَعْرِفُهُ مِنْ أَخِيهِ وَمِنْ أَبِيهِ وَمِنْ عَمِّهِ وَفِي عَشِيرَتِهِ، ثُمَّ يَلْبَسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ مَحْمُودٌ: لَقَدْ أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ مَعْرُوفٌ نِفَاقُهُ، كَانَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَيْثُ سَارَ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ بِالْحِجْرِ مَا كَانَ، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ دَعَا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ السَّحَابَةَ، فَأَمْطَرَتْ حَتَّى ارْتَوَى النَّاسُ قَالُوا: أَقْبَلْنَا عَلَيْهِ نَقُولُ: وَيْحَكَ، هَلْ بَعْدَ هَذَا شَيْءٌ! قَالَ: سَحَابَةٌ مَارَّةٌ».[61][62]

خبر ناقة رسول الله[عدل]

لما كان رسول الله سائرًا في طريقه إلى تبوك، ضلت ناقته، فخرج أصحابه في طلبها وعند رسول الله رجل من أصحابه، يقال له: عمارة بن حزم، وكان عقبيًّا بدريًّا، وهو عم بني عمرو بن حزم، وكان في رحله زيد بن اللصيت القينقاعي، وكان منافقًا. قال زيد بن اللصيت وهو في رحل عمارة، وعمارة عند رسول الله: أليس محمد يزعم أنه نبي؟ ويخبركم عن خبر السماء، وهو لا يدري أين ناقته؟ فقال رسول الله وعمارة عنده: «إنَّ رَجُلًا قَالَ: هَذَا مُحَمَّدٌ يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يُخْبِرُكُمْ بِأَمْرِ السَّمَاءِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ، وَإِنِّي وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ إلَّا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ وَقَدْ دَلَّنِي اللَّهُ عَلَيْهَا، وَهِيَ فِي هَذَا الْوَادِي، فِي شِعْبِ كَذَا وَكَذَا، قَدْ حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ بِزِمَامِهَا»، فانطلقوا حتى تأتوني بها، فذهبوا فجاءوا بها، فرجع عمارة بن حزم إلى رحله، فقال: والله لعجب من شيء حدثناه رسول الله آنفا عن مقالة قائل أخبره الله عنه بكذا وكذا، للذي قال زيد بن اللصيت، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة، ولم يحضر رسول الله: زيد والله قال هذه المقالة قبل أن تأتي، فأقبل عمارة على زيد، يجأ في عنقه (يطعنه فيه) يقول: إليَّ عباد الله، إن في رحلي لداهية، وما أشعر، اخرج أي عدو الله من رحلي فلا تصحبني، قال ابن إسحاق: «فَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ زَيْدًا تَابَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَمْ يَزَلْ مُتَّهَمًا بِشَرٍّ حَتَّى هَلَكَ».[63]

الإخبار بهبوب ريح شديدة والتحذير منها

أخبر رسول الله أصحابه في تبوك بأن ريحًا شديدة ستهب، وأمرهم بأن يحتاطوا لأنفسهم ودوابهم فلا يخرجوا حتى لا تؤذيهم، وليربطوا دوابهم حتى لا تؤذى، وتحقق ما أخبر به رسول الله، فهبت الريح الشديدة وحملت من قام فيها إلى مكان بعيد.[64] فقد روى مسلم في «صحيحه» بإسناده إلى أبي حميد قال: «وَانْطَلَقْنَا، حَتَّى قَدِمْنَا تَبُوكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «سَتَهُبُّ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَلَا يَقُمْ فِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ فَمَنْ كَانَ لَهُ بَعِيرٌ فَلْيَشُدَّ عِقَالَهُ» فَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَقَامَ رَجُلٌ فَحَمَلَتْهُ الرِّيحُ حَتَّى أَلْقَتْهُ بِجَبَلَيْ طَيِّئٍ»،[65] قال النووي في شرحه على صحيح مسلم معقبًا على هذا الحديث: «هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ مِنْ إِخْبَارِهِ ﷺ بِالْمَغِيبِ وَخَوْفِ الضَّرَرِ مِنَ الْقِيَامِ وَقْتَ الرِّيحِ».[66]

منطقة تبوك

تكثير ماء عين تبوك[عدل]

قال معاذ بن جبل: « قَالَ رَسُولِ اللهِ: «إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا، إِنْ شَاءَ اللهُ، عَيْنَ تَبُوكَ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يُضْحِيَ النَّهَارُ، فَمَنْ جَاءَهَا مِنْكُمْ فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ» فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَنَا إِلَيْهَا رَجُلَانِ، وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، قَالَ فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللهِ ﷺ «هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا؟» قَالَا: نَعَمْ، فَسَبَّهُمَا النَّبِيُّ ﷺ، وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ. قَالَ: ثُمَّ غَرَفُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا، حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ، قَالَ وَغَسَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِيهِ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا، ” فَجَرَتِ الْعَيْنُ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ أَوْ قَالَ: غَزِيرٍ – شَكَّ أَبُو عَلِيٍّ أَيُّهُمَا قَالَ – حَتَّى اسْتَقَى النَّاسُ».[4] وقد قال رسول الله لمعاذ بن جبل: «يُوشِكُ، يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، أَنْ تَرَى مَا هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا».[4]

لقد كانت منطقة تبوك والوادي الذي كانت فيه العين منطقة جرداء لقلة الماء، ولكن الله أجرى على يد رسوله بركة تكثير هذا الماء حتى أصبح يسيل بغزارة، ولم يكن هذا آتيا لسد حاجة الجيش، بل أخبر رسول الله بأنه سيستمر وستكون هناك جنان وبساتين مملوءة بالأشجار المثمرة، ولقد تحقق ما أخبر به الرسول بعد فترة قليلة من الزمن، وما زالت تبوك حتى اليوم تمتاز بجنانها وبساتينها ونخيلها وتمورها، تنطق بصدق نبوة الرسول محمد وتشهد بأن الرسول لا يتكلم إلا صدقًا، ولا يخبر إلا حقًا، ولا ينبئ بشيء إلا ويتحقق.[67]

تكثير الطعام[عدل]

روي أن الرسول محمد دعا الله لتكثير الطعام القليل حتى كفى الآلاف من المسلمين، فقد جاء أن أصحاب رسول الله لما أصابهم الجوع في غزوة تبوك استأذنوه في نحر ظهورهم، فطلب منهم أن يأتوه بفضل أزوادهم، فدعا فيه بالبركة، ثم قال: «خُذُوا فِي أَوْعِيَتِكُمْ»، فأخذوا في أوعيتهم، حتى ما تركوا في العسكر وعاءً إلا ملؤوه، فأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة.[68][69][70]

آيات قرآنية[عدل]

إن الآيات التي أنزلها الله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم إبان غزوة العسرة هي أطول ما نزل في قتال المسلمين وخصومهم.

التخلف عن الحرب[عدل]

بدأت تلك الآيات باستنهاض الهمم لرد هجوم المسيحية، وإشعارهم بأن الله لا يقبل ذرة تفريط في حماية دينه ونصرة نبيه، وإن التراجع أمام الصعوبات الحائلة دون قتال الروم، يعد مزلقة إلى الردة والنفاق،[71] قال تعالى: Ra bracket.png يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ Aya-38.png إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ Aya-39.png La bracket.png(14). فعاتب القرآن الكريم من تخلف عتابًا شديدًا، وتميزت غزوة تبوك عن سائر الغزوات بأن الله حث على الخروج فيها -وعاتب من تخلف عنها- والآيات الكريمة جاءت بذلك، كقوله تعالى:Ra bracket.png انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ Aya-41.png La bracket.png(15).

الشُحّ بالمال[عدل]

قدَّم فقراء المسلمين جهدهم من النفقة على استحياء؛ ولذلك تعرَّضوا للسخرية من المنافقين، فقد روي أنّ أَبُو عَقِيلٍ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ صَاعٍ، وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْهُ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: «إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا، وَمَا فَعَلَ هَذَا الْآخَرُ إِلَّا رِيَاءً، إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا، وَمَا فَعَلَ هَذَا الْآخَرُ إِلَّا رِيَاءً»، فَنَزَلَتْ آية: Ra bracket.png الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ Aya-79.png La bracket.png(5).[19]

جزاء وفاقًا[عدل]

بين القرآن الكريم أن المؤمنين الذين خرجوا مع رسول الله -وعددهم يزيد عن الثلاثين ألفا- قد كتب الله لهم الأجر العظيم؛ قال تعالى: Ra bracket.png وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ Aya-92.png La bracket.png(16).[72]

ما بعد المعركة

دولة الخلفاء الراشدين في أقصى اتساعها سنة 654. تظهر المناطق التابعة اسميًا للخلافة باللون الأخضر الباهت.

كانت للغزوة نتائج عدة أهمها:

  • إسقاط هيبة الروم من نفوس العرب جميعًا -مسلمهم وكافرهم على السواء- لأن قوة الروم كانت في حس العرب لا تقاوم، ولا تغلب، ومن ثم فقد فزعوا من ذكر الروم وغزوهم، ولعل الهزيمة التي لحقت بالمسلمين في غزوة مؤتة كانت مؤكدة على ما ترسخ في ذهن العربي في جاهليته من أن الروم قوة لا تقهر، فكان لا بد من هذا النفير العام لإزاحة هذه الهزيمة النفسية من نفوس العرب.
  • إظهار قوة الدولة الإسلامية كقوة وحيدة في المنطقة قادرة على تحدي القوى العظمى عالميًا –حينذاك- ليس بدافع عصبي أو عرقي، أو تحقيق أطماع زعامات معاصرة، وإنما بدافع تحريري؛ حيث تدعو الإنسانية إلى تحرير نفسها من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد، ولقد حققت هذه الغزوة الغرض المرجو منها بالرغم من عدم الاشتباك الحربي مع الروم الذين آثروا الفرار شمالا فحققوا انتصارا للمسلمين دون قتال، حيث أخلوا مواقعهم للدولة الإسلامية، وترتب على ذلك خضوع النصرانية التي كانت تمت بصلة الولاء لدولة الروم مثل إمارة دومة الجندل، وإمارة إيلة (مدينة العقبة حاليا على خليج العقبة)، وكتب رسول الله بينه وبينهم كتابا يحدد ما لهم وما عليهم،[2] وأصبحت القبائل العربية الشامية الأخرى التي لم تخضع للسيطرة الإسلامية في تبوك تتعرض بشدة للتأثير الإسلامي، وبدأ الكثير من هذه القبائل يراجع موقفه ويقارن بين جدوى الاستمرار في الولاء للدولة البيزنطية أو تحويل هذا الولاء إلى الدولة الإسلامية الناشئة، ويعد ما حدث في تبوك نقطة البداية العملية للفتح الإسلامي لبلاد الشام،[73] وإن كانت هناك محاولات قبلها ولكنها لم تكن في قوة التأثير كغزوة تبوك، فقد كانت هذه الغزوة بمثابة المؤشر لبداية عمليات متواصلة لفتح البلدان، والتي واصلها خلفاء رسول الله من بعده، ومما يؤكد هذا أن الرسول قبل موته جهز جيشا بقيادة أسامة بن زيد بن حارثة ليكون رأس حربة موجهة صوب الروم، وطليعة لجيش الفتح، ضم هذا الجيش جُلَّ صحابة رسول الله، ولكنه لم يقم بمهمته إلا بعد وفاته.[2]
  • توحيد الجزيرة العربية تحت حكم الرسول، حيث تأثر موقف القبائل العربية من الرسول، والدعوة الإسلامية بمؤثرات متداخلة كفتح مكة، وخيبر، وغزوة تبوك، فبادر كل قوم بإسلامهم بعد أن امتد سلطان المسلمين إلى خطوط التماس مع الروم ثم مصالحة نجران في الأطراف الجنوبية على أن يدفعوا الجزية، فلم يعد أمام القبائل العربية إلا المبادرة الشاملة إلى اعتناق الإسلام والالتحاق بركب النبوة بالسمع والطاعة؛ ونظرا لكثرة وفود القبائل العربية التي قدمت إلى المدينة من أنحاء الجزيرة العربية بعد عودة النبي من غزوة تبوك لتعلن إسلامها هي ومن وراءها، فقد سمي العام التاسع للهجرة في المصادر الإسلامية بعام الوفود.[74]

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يجب عليك إغلاق حاجب الإعلانات لعرض صفحات الموقع