وصي الله بن محمد عباس بن أحمد عباس

نشأته وبداية طلب العلم:
وصي الله بن محمد عباس بن أحمد عباس ولد بتاريخ 1/ 5/ 1367هـ في قرية بيبرا، في مديرية بستي بالهند الشمالية، نشأ في تلك القرية التي ولد فيها، ودرس في مدرستها التي أسسها الشيخ بشارت رحمه الله، وكان هذا المؤسس هو معلم الناس الدين والشرع، كما كان إمام الجمعة والصلوات في مسجد القرية، وبعد أن تخرج الشيخ من المدرسة الابتدائية، التحق بمدرسة (دار الهدى) في قرية أخرى تسمى: قرية يوسف بور، وهذه المدرسة أسسها تلميذان من تلاميذ الشيخ نذير حسين المحدث الدهلوي، وكانت هذه المدرسة وغيرها هي موطن التعليم الأول لأبناء القرية، بل لأهل القرية عموما، حيث لم يكن لأهالي تلك القرى أي صلات بالحكومة الانجليزية، والتي كانت متواجدة بالهند في تلك الفترة، وقد كان يفد إلى هذه المدرسة جملة من المشايخ من علماء أهل الحديث، وكانوا يحكمون بين الناس في خصوماتهم وقضاياهم، ومن هؤلاء: الشيخ ثناء الله الأمرتسري، والشيخ محمد الجوناكرهي، وقد درس الشيخ في هذه المدرسة على أيدي ثلّة من العلماء، المتخرجين من مدرسة دار الحديث الرحمانية بدلهي -وهي التي درس فيها بعض علماء نجد مثل: الشيخ عبد الله القرعاوي- وفي مقدمتهم: الشيخ عبدالرحيم الرحماني، والشيخ عبدالأحد الكانفوري، والشيخ جلال الدين الرحماني وغيرهم.
أخذ الشيخ في هذه المرحلة عن هؤلاء العلماء: علوم اللغة، والفقه، والعقيدة، والنحو، وعلم الحساب، والعروض. كما قرأ في هذه المرحلة عليهم كتبا عديدة، مثل: بلوغ المرام، ومشكاة المصابيح في الفقه الحنفي، وشرح الوقاية، وقد كان مقررا في العقيدة فيها :كتاب العقائد النسفية –والذي يعد متنا في العقيدة الماتريدية- إلا أنه قد درسه على يد الشيخ: جلال الدين، وكانت الدراسة كما يقول الشيخ وصي الله: (مع نقد مسائل التأويل والتعطيل)، ثم تخرج الشيخ من هذه المدرسة في أوائل عام 1383هـ، وبعد أن تخرج منها رأى الشيخ أن يلتحق بالمدرسة الرحمانية في (بنارس)، والتي أُسست بعد خراب المدرسة الرحمانية بدلهي -التي ذكرنا أنه قد تخرج منها الشيخ عبدالله القرعاوي- وكان فيها طالبا للعلم على الشيخ نذير أحمد الرحماني وغيره حتى عام 1386هـ، حيث افتتحت الجامعة السلفية في (بنارس)، فنُقل إليها طلاب الرحمانية، ودرس فيها فترة من الوقت.

دراسته في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة:
حدث في تلك السنة ما غيّر مجرى حياة الشيخ، حيث وفقه الله لحضور مؤتمر رتّبته الجامعة، ودعي إليها الشيخ ابن باز رحمه الله -مدير الجامعة الإسلامية آنذاك- فأناب الشيخ عن نفسه: الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد، فحضر المؤتمر، وكان الشيخ وصي الله حاضرا، ثم طلب الشيخ عبدالقادر من الجامعة أن يقابل أربعة طلبة متميزين ترشحهم الجامعة السلفية، فرشحت الجامعة أربعة من الطلاب المتميزين وكان الشيخ وصي الله أحدهم، فقابل الشيخ عبدالقادر، وجلس معه، فرشحه الشيخ عبدالقادر للسفر إلى المدينة المنورة، والدراسة فيها في الجامعة الإسلامية، وهو ما شكّل منعطفا مهما في حياة الشيخ، يقول: (لم يكن في حسباني أن أدرس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ولم اكن أحلم بالدخول إليها؛ نظرا لبعدها،، وارتفاع الكلفة المعيشية إلا أن الله وفقني، وقُبلت أنا ومعي ثلاثة من الزملاء).
وصل الشيخ إلى المدينة المنورة طالبا عام 1386هـ، وأجرت له الجامعة مقابلة الدخول، وكانت لجنة المقابلة مكونة من كلٍّ من: الشيخ عبدالمحسن العباد، والشيخ محمد المجذوب، وقرروا قبوله في الصف الثالث ثانوي؛ إلا أنه لعدم تبقي وقتٍ كافٍ للدراسة تم تسجيله في الصف الثاني ثانوي، فأكمله ثم أكمل الصف الثالث ثانوي، وتخرج منه عام 1388هـ، بعد أن تخرج من الثانوية درس الشيخ في الجامعة الإسلامية، في كلية الدعوة وأصول الدين، على يد ثلّةٍ من العلماء الأجلّاء منهم:
– الشيخ محمد الأمين الشنقيطي.
– والشيخ صالح العراقي.
– والشيخ عبدالرحمن المليباري.
– والشيخ عبدالكريم مراد.
– والشيخ حماد الأنصاري، وقد استفاد منه كثيرا، وكان يحضر له في منزله يقرأ عليه، ويدرس عنده.
– ثم جاء الشيخ تقي الدين الهلالي إلى المدينة المنورة أستاذًا في الجامعة، فلازمه الشيخ وصي الله كثيرًا، وكان يكتب له رسائله، وفتاواه، ويقرأ عليه بعض الكتب.
تخرج الشيخ من مرحلة البكالوريوس عام 1392هـ، وكان قد تحصل فيها علومًا جمّة، خاصة وأنه تتلمذ على أيدي علماء كبار ولازم بعضهم، وفي نفس العام جاء وفدٌ من جامعة الملك عبدالعزيز يضمُّ كلًّا من: الشيخ محمد أمين المصري، والشيخ محمد مصطفى الأعظمي، والشيخ محمد علي إبراهيم، والشيخ عبدالوهاب أبو سليمان، وكانت مهمتهم: مقابلة الطلبة لتسجيلهم وقبولهم في برنامج الدراسات العليا، بجامعة الملك عبدالعزيز في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، وقد قررت الجامعة قبول ستة من الطلبة الوافدين، كان الشيخ وصي الله أحدهم بعد أن اجتاز المقابلة، فدرس في هذه المرحلة سنة ونصف، وهي الدراسة المنهجية في الكلية، وقدم فيها رسالة بعنوان: الضعفاء والمتروكون والمجهولون في سنن النسائي. وقد نوقشت بفضل الله وأخذ درجة الماجستير عام 1397هـ، ثم التحق الشيخ في نفس العام بمرحلة الدكتوراه بجامعة أم القرى، في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، وقدم فيها رسالة بعنوان: فضائل الصحابة للإمام أحمد، تحقيق وتخريج. وقد نوقشت الرسالة وحاز الشيخ على شهادة الدكتوراه عام 1401هـ .

تدريسه في معهد الحرم المكي:
في الوقت الذي كان فيه الشيخ يدرس الدكتوراه بجامعة أم القرى، احتاج معهد الحرم المكي إلى مدرس للحديث والتفسير، فاختير الشيخ للتدريس في الحرم، فبدأ يدرس فيه من عام 1399هـ، وكان الشيخ بعد تخرجه من الدكتوراه يرغب بالتدريس بجامعة أم القرى؛ إلا أن مدير معهد الحرم آنذاك الشيخ صالح المقوشي قد أصر على بقائه في المعهد، فبقي فيه حتى عام 1409هـ، وانتقل في هذا العام إلى جامعة أم القرى مدرسا فيها برتبة أستاذ مساعد، ثم رُقّي إلى أستاذ مشارك عام 1419هـ، ثم إلى درجة أستاذ عام 1432هـ.

تدريسه بالمسجد الحرام:
لم يكتف الشيخ بالتدريس النظامي في معهد الحرم ثم الجامعة، فقد كان يحب العلم وأهله، وكان لا يدخر جهدا في بذل العلم إلا وقدمه، وقد بدأ يلقي الدروس في المسجد الحرام منذ عام 1419هـ بقرار من معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، المبني على موافقة المقام السامي الكريم،.

أعماله:
كما شغل عددًا من الأعمال منها:
– أنه كان عضوا للمجلس العلمي بجامعة أم القرى لمدة عامين.
– كما كان عضوا في لجنة النظر في المناهج في البكالوريوس في قسم الكتاب والسنة.
– وعضوا في لجنة وضع المنهج الجديد للدكتوراة في قسم الكتاب والسنة.
– كما كان الشيخ كذلك عضواً في هيئة تحرير مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها.
– إضافة إلى أنه كان مستشاراً غير متفرغ لمعالي الرئيس العام لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي: الشيخ محمد بن عبد الله السبيل لأكثر من سنتين.
– وكان أيضا عضواً في لجنة أعلام الحرم المكي، برئاسة معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي: الشيخ محمد بن عبد الله السبيل، وعضوية سماحة الشيخ عبد الله بن منيع، وسماحة الشيخ عبد الله البسام رحمه الله، مع بعض أهل الخبرة الآخرين، وهذه اللجنة شُكّلت بناءً على الأمر السامي، وقد قام مع اللجنة بدراسة مواقع أعلام الحرم تاريخياً، وعلمياً، ثم ميدانياً، بالبحث والتنقيب عن آثار الأعلام في الجبال المحيطة بمكة، بعد البحث في الكتب والمراجع.

ومع كل هذه الأعمال، شارك الشيخ في دورات علمية عديدة في مدن المملكة، كما شارك في عدد من الندوات والمؤتمرات، منها: ندوة السنة والسيرة بمجمع الملك فهد بالمدينة المنورة، وشارك في مؤتمرات خارج المملكة العربية السعودية، في: الأردن، والهند، وبريطانيا، ويلقي محاضراته في داخل المملكة وخارجها، في أمريكا، وبريطانيا، عبر الاتصال، كما يلقي محاضراته ودروسه في الجاليات بمكة المكرمة، وجدة، والشعيبة، وغيرها، ويناقش الرسائل الجامعية بجامعة أم القرى، وفي جامعات أخرى داخل المملكة وخارجها، مثل: باكستان، والهند، وبريطانيا، وقد طُلب من الشيخ تقرير عن بعض ترجمات معاني القرآن الكريم باللغة الأردية من جهة مجمع الملك فهد، فقام بالتصحيح والتقرير فيه، كما قام بالتصحيح والنظر في ترجمة معاني القرآن الكريم للشيخ: محمد الجوناكري، وتفسير الشيخ صلاح الدين يوسف، بطلبٍ من مجمع الملك فهد، وهو الذي يطبع وينشر من المجمع منذ سنين، إضافة إلى كون الشيخ عضوا في مجلس بعض الجامعات في الهند، ومشرفا على بعض المدارس فيها
ومع كل هذا الكم الهائل من الأعمال إلا أن الشيخ ملازمٌ لدروسه في الحرم المكي، ويحضر له كثيرون، وقد استفاد من محاضراته ودروسه جمٌّ غفير من الناس ممن يحضرون محاضراته ودروسه في الحرم، وقد عُرف الشيخ بلين الجانب، وحب الخير وأهله، والتواضع للصغير والكبير، وهو مثال للعالم الذي همّه بذل المزيد من العلم، ونشره بين الناس، وقد كتب الشيخ العديد من المؤلفات بالعربية والأردية وترجم بعضها.

مؤلفاته:
ومن أهم هذه الكتب:
1/ الاتباع وأصول فقه السلف، مصر، دار الاستقامة، الطبعة الأولى عام 1431هـ.
2/ تحقيق الكلام في وجوب القراءة خلف الإمام، للعلامة محمد عبدالرحمن المباركفوري، نقله إلى العربية وعلق عليه: الشيخ وصي الله. المملكة العربية السعودية، دار الهجرة، الطبعة الثانية عام 1415هـ.
3/ تحقيق جزء من كتاب ” إتحاف المهرة ” مطبوع من مركز السنة والسيرة بالمدينة.
4/ تحقيق جزء من كتاب ” لسان الميزان ” لابن حجر.
5/ التقليد وحكمه في ضوء الكتاب والسنة، مصر، دار الاستقامة، الطبعة الأولى عام 1431هـ.
6/ العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد، رواية عبد الله ابن الإمام أحمد (تحقيق)، مطبوع في أربع مجلدات.
7/ علم علل الحديث ودوره في حفظ السنة، مصر، دار الإمام أحمد بن حنبل، الطبعة الأولى عام 1426هـ.
8/ الفدية في الخلع، مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة والدراسات الإسلامية، العدد (46) محرم 1430هـ.
9/ فضائل الصحابة للإمام أحمد، (تحقيق)، المملكة العربية السعودية، دار ابن الجوزي، الطبعة الثانية عام 1420هـ.
10/ كتاب العلل ومعرفة الرجال عن الإمام أحمد، رواية صالح ابن الإمام أحمد (تحقيق)، مصر، دار الإمام أحمد، الطبعة الأولى عام 1427هـ.
11/ كتاب بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم، ليوسف بن عبدالهادي (تحقيق)، مصر، دار الإمام أحمد بن حنبل، الطبعة الأولى، 1427هـ.
12/ المسجد الحرام تاريخه وأحكامه.

أما التي باللغة الأردية فمن أهمها:
1/ الاتباع وأصول فقه السلف.
2/ الإسلام هو الحل للإنسانية.
3/ التقليد وحكمه في ضوء الكتاب والسنة.
4/ دعوة وحدة الأمة في أصول الصحابة والأئمة.
5/ الدين الخالص.
6/ المسجد الحرام تاريخه وأحكامه.
7/ النكاح وحسن المعاشرة.

ولا زال الشيخ يلقي دروسه في الحرم المكي وله عدد من الكتب تحت الطبع وبعضها تحت الإعداد نسأل الله أن يمتع الشيخ بالصحة والعافية وأن يجعله ذخر للإسلام والمسلمين.

مصدر الترجمة:
– المترجم له.
– بعض أبنائه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يجب عليك إغلاق حاجب الإعلانات لعرض صفحات الموقع