
اسماء بنت ابى بكر
يشهد التاريخ الإسلامي مواقف نسائية كان لها تأثير كبير، ومن تلك السيدات ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما.
وقالت دار الافتاء، في تقرير لها عن السيدة أسماء، إنها ولدت قبل الهجرة بنحو ثلاث وعشرين سنة، وهي أخت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، وزوج سيدنا الزبير بن العوام رضي الله عنه، وأم عبد الله بن الزبير وعروة بن الزبير رضي الله عنهما، وكانت من أوائل الذين أسلموا، وآخر المهاجرات وفاة.
وأضاف التقرير: السيدة أسماء رضي الله عنها لها مآثر عظيمة في حياتها أهمها: قيامها بمهمة خطيرة أثناء هجرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم مع أبيها سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه خليفة رسول الله؛ فقد كانت تجهز لهما طعام السفر، فلم تجد ما تربط به الطعام، فشقت خمارها نصفين وربطت في أحدهما الطعام وارتدت الآخر، فروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها: «أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة»، فسميت بذات النطاقين.
ولها موقف مع جدها أبي قحافة يدل على سمو نفسي وأخلاقي وسرعة بديهة وقوة تحمل قلما توجد؛ تروي السيدة أسماء رضي الله عنها هذا الموقف، فتقول: “لما توجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مكة، حمل أبي –سيدنا أبو بكر رضي الله عنه- معه جميع ماله -خمسة آلاف أو ستة آلاف- فأتاني جدي أبو قحافة وقد عمي، فقال: إن هذا قد فجعكم بماله ونفسه، فقلت: كلا، قد ترك لنا خيرا كثيرا، فعمدت إلى أحجار، فجعلتهن في كوة البيت، وغطيت عليها بثوب، ثم أخذت بيده، ووضعتها على الثوب، فقلت: هذا تركه لنا، فقال: “أما إذ ترك لكم هذا، فنعم”.
عاشت رضي الله عنها حياة خشنة بعد زواجها من سيدنا الزبير بن العوام رضي الله عنه؛ إذ كان فقيرا لا يملك غير فرسه، وكان في طبعه شدة وكان يغار عليها، فكانت السيدة أسماء رضي الله عنها تعتني بالفرس وتعلفه وتدق النوى وتحمله على رأسها مسافة طويلة من أرض الزبير رضي الله عنه التي أقطعها له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وكان من عظيم عنايتها بزوجها وصبرها معه وتقديرها له أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقيها وهي تحمل النوى فأراد أن يحملها على دابته تخفيفا عنها، لكنها اعتذرت له لما كانت تعلمه عن زوجها من غيرة عليها، فأخبرت الزبير رضي الله عنها، فقال لها: “والله، لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه!”.
واستمرت على هذا الحال حتى أرسل لها سيدنا أبو بكر رضي الله عنه خادما تخفف عنها بعض هذا الحمل الثقيل، فكفتها سياسة الفرس، قالت السيدة أسماء رضي الله عنها عن هذا الموقف من أبيها: “فكأنما أعتقني”.
وكان من شدة ورعها أنها حين قدمت عليها أمها وهي لا تزال على الشرك وأحضرت لها بعض الهدايا لم تقبلها، حتى سألت النبي قائلة له: إن أمي قدمت وهي راغبة (أي غير مسلمة) أفأصلها؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «نعم، صلي أمك» رواه البخاري.
وقد روت رضي الله عنها حوالي (58) حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، اتفق لها البخاري ومسلم على ثلاثة عشر حديثا، وانفرد البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم بأربعة.
وكانت السيدة أسماء رضي الله عنها امرأة سخية كريمة، قال ابنها سيدنا عبد الله ابن الزبير رضي الله عنه: “ما رأيت امرأة قط أجود من عائشة وأسماء رضي الله عنهما؛ وجودهما مختلف: أما عائشة، فكانت تجمع الشيء إلى الشيء، حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه، وأما أسماء، فكانت لا تدخر شيئا لغد”.
كما كانت شجاعة كريمة النفس، فلما كثر اللصوص بالمدينة زمن سعيد بن العاص رضي الله عنه، اتخذت خنجرا، كانت تجعله تحت رأسها.
وحين تعرض ابنها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه للحصار بعدما دعا لنفسه بالخلافة، قالت له: “يا بني، عش كريما، ومت كريما، لا يأخذك القوم أسيرا”، وقد كانت في هذا الوقت في سن كبيرة جدا، حوالي 100 سنة، ولكنها ظلت محتفظة بطباعها القوية، وكرامتها الأبية.
قال ابنها عروة رضي الله عنه: “دخلت أنا وأخي (عبد الله) -قبل أن يقتل- على أمنا بعشر ليال، وهي وجعة، فقال عبد الله: كيف تجدينك؟ قالت: وجعة. قال: إن في الموت لعافية. قالت: لعلك تشتهي موتي؛ فلا تفعل، وضحكت، وقالت: والله، ما أشتهي أن أموت حتى تأتي على أحد طرفيك: إما أن تقتل فأحتسبك؛ وإما أن تظفر فتقر عيني، إياك أن تعرض على خطة فلا توافق، فتقبلها كراهية الموت. قال عروة: وإنما عنى أخي أن يقتل، فيحزنها ذلك. وكانت بنت مائة سنة”.
وحين واجهت الحجاج بن يوسف الثقفي بعد أن قتل ابنها عبد الله رضي الله عنه، واجهته بقوة وصلابة، فقد دخلت مكة وهو مصلوب، فجاءت وهي عجوز طويلة عمياء، فقالت للحجاج: أما آن للراكب أن ينزل. فقال: المنافق. قالت: والله ما كان منافقا، كان صواما، قواما، برا. قال: انصرفي يا عجوز، فقد خرفت. قالت: لا، والله ما خرفت منذ سمعت رسول الله يقول: «في ثقيف كذاب ومبير» ومبير: أي مهلك يسرف في إهلاك الناس.
وفي رواية أنه: ذهب إليها لتأخذ ابنها فأبت أن تذهب، فهددها فلم تستجب، فذهب إليها فقالت له بعد كلام: أما إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدثنا: «أن في ثقيف كذابا ومبيرا» فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه، فقام عنها ولم يراجعها. وكانت السيدة أسماء قد طلقها سيدنا الزبير رضي الله عنه، فعاشت حياتها حتى وافتها المنية، تتحمل الأحداث الجسام، راضية بقضاء الله، وقد توفيت سنة (73هـ)، رضي الله عنها وأرضاها.