من رسائل الليدي لحفائر الملك الذهبي .. كيف كان الصعيد أرض الشفاء من السل؟ | صور
الأرض ذات الهواء الجاف ، هكذا كان يطلق على محافظات الصعيد بالأخص قنا أسوان والأقصر ، ليكون الصعيد مقصدا للأجانب للشفاء من السل ، والذي يحتفل العالم في مثل هذا اليوم ٢٤ مارس من كل باليوم العالمى من الشفاء بالسل الذي كان يحصد سنويا آلاف الضحاية
لوسى دف جوردن” التي ارتحلت لصعيد مصر في عصر الخديو إسماعيل كي تشفي من مرض السل، كانت شاهدة علي الصعيد ، فقد أرسلت مجموعة رسائل منها إلى أسرتها فى بريطانيا فى الفترة من 1862- 1869م، ونشرت هذه الرسائل على يد حفيدها، مستر “جوردن ووترفيلد” وهو صحفى عاش فى مصر، وكان رئيسا لتحرير ” الأجبشيان جازيت
ويقول المؤرخ والأثري فرنسيس أمين لبوابة الأهرام ، إنه في عام 1852، أصيبت لوسي بداء السل، ونصحها الأطباء أن تسافر إلى جنوب إفريقيا حتى تجد جوا معتدلاً دافئًا يناسب صحتها، حيث إنها أمضت عامًا فى كيب تاون تستشفى، ولكن علاجها هناك لم يكن ميسورًا، وارتحلت إلى مصر في أكتوبر 1862بحثاً عن العلاج من مرض السل ، وذهبت للصعيد ، لمناخه الجاف
استقرت “لوسي دف جوردن” في الأقصر في 12 يناير 1864م، في بيت اسمه بيت فرنسا، الذي كان يقابل مسجد أبوالحجاج الأقصري، والذي سكنه فيما بعد العالم الأثري الفرنسي شامبليون، وقالت جوردن عن منزلها في الأقصر: “إن شرفتة كانت برج مراقبة التى تراقب منه الحوادث التي تجري”، وقد توفت في يوليو عام 1869م بعد معاناة شديدة من المرض، في مقابر البروتستانت بالقاهرة، إذ كان أبوها جون أستون من رجال الفقة القانوني، وتظل رسائل لوسى دف جوردن وثائق هامة فى تاريخ مصر الحديث.
يوضح أمين أن “لوسى دف جوردن” لم تكن الوحيدة التى ذهبت للصعيد للعلاج من السل بسبب مناخه ، فقد سبقها آلاف وقد جاء بعدها مئات باحثين للعلاج سواء من السل أو الربو الذي كان يشبه لحد كبير السل ، مؤكدا ان الربو كان معروفا فى الصعيد بسبب طواحين الدقيق ونجارة الخشب ، مضيفا إلى أن هناك كتبا مؤلفة عن أماكن الشفاء في الصعيد بالأخص ، لذا كانت مقصدا حتى لممولي الحفائر الأثرية مثل اللورد “كارنافون” ممول حفائر توت عنخ آمون ، حيث جاء لمصر للشفاء من الربو
جاء كارنافون إلى مصر عام 1903م، ليعيش على أراضيها طوال أكثر من 17 عاما، توجت تلك السنوات بأهم كشف أثري في التاريخ، وهو الوصول إلى “مقبرة توت عنخ آمون” في وادي الملوك بالأقصر، والتى تم اكتشافها في 4 نوفمبر، من عام 1922م ، وقد مات “كارنافون” أيضا في مصر وفي ظروف غامضة ، قيل بسبب لدغة بعوضة بعد قيامه بحلق ذقنه في فندق الكونتينتال، وردد المؤمنون بخرافة الفراعنة أقاويل كثيرة بعد وفاته، بسبب لعنة الفراعنة كما يردد المؤمنون بخرافة لعنة الفراعنة .
هيوارد كارتر” وصف في كتابه “مقبرة توت عنخ آمون”، مشهد دخول المقبرة مع ممول الحفائر “كارنافون”، يقول “كارتر”: “من خلفي وقف اللورد كارنفون وابنته الليدي إيفلين هربرت، وظهرت أمام عيني حيوانات وتماثيل من ذهب، الذهب يلمع في كل مكان، كانت أثمن وأجمل ما كشف عنه رجال الآثار في حفرياتهم السابقة عبر العصور، كانت الحجرة حافلة بالأشياء العجيبة، كئوس من الألباستر الشفاف على شكل زهرة اللوتس، كومة غير منتظمة من العربات المقلوبة، تلمع بالذهب ومطعمة بالأصداف، تمثالان أسودان بالحجم الطبيعى للملك، يواجهان بعضهما البعض كحارسين للمقبرة، لكل منهما تنورة ذهبية، ونعلين من الذهب، ويمسك كل منهما صولجانا وعصا، وفوق جبهة كل تمثال تجد الكوبرا المقدسة، بالإضافة إلى ثلاث أرائك مذهبة، وتوابيت ورأس مرصعة بالذهب.
ويوضح فرنسيس أمين أن مرض السل كان من الأمراض المستعصية على الشفاء حتى توصل العلماء لعلاجه ، حيث يرجع البعض وجوده منذ آلاف السنين ، وقد كانت تعج الصحف المصرية بتقارير عن المصابين بهذا المرض القاتل حتى نهاية عشرينيات القرن الماضي ، مؤكدا أن روبرت كوخ العالم الألمانى اكتشف البكتيريا المسببة لمرض السل عام 1882، وأثبت أن هذا الميكروب يمكنه أن يحدث تغيرات مرضية فى أعضاء الجسم مثل الحنجرة والأمعاء والجلد، كما استطاع أن يتسخلص مادة التيوبركلين من جرثومة السل وهى المادة التى تستخدم حتى الآن لتشخيص مرض السل، وإذا كان الشخص محصنا من المرض أم لا، وقد كانت أبحاث كوخ حول مرض السل تحديداً هى التى قادته إلى الحصول على جائزة نوبل ، ليتم صنع أدوية ولقاحات مع مرور السنين يتم إعطاؤها للأطفال كعلاج وقائى، حيث إنه يعمل على الجهاز المناعى ويحد من خطر الإصابة بالمرض، ويتم إعطاء اللقاح للأطفال الرضع بعد الولادة بأيام
ويؤكد فرنسيس أمين ، أن الصدفة التاريخية التى قادت روبرت كوخ لاكتشاف السل ، هى التى قادته لاكتشاف سبب الميكروب المسبب لوباء الكوليرا ، بعد مغامرة له فى الإسكندرية وقت شيوع وانتشار وباء الكوليرا في مصر قبل نهايات القرن التاسع عشر ، وبالتحديد حين توصله لسبب مرض السل أيضا .
ممول حفائر توت عنخ آمون
ممول حفائر توت عنخ آمون